الشهيد المجاهد/
أحمد حمدي الدريملي
طلب الشهادة وعمل لها فبلغه الله ما أراد
كغيره من أبناء شعبه كانت معاناته كبيرة بفعل جرائم العدو الصهيوني، وكأني بلسان حاله دوما وهو يقول: في كل شبر للعذاب مناظر، يندى لها والله كل جبين، فترى العساكر والكلاب معدة، للنهش طوع القائد المفتون، هذي تعض بنابها وزميلها، يعدو عليك بسوطه المسنون، ومضت علي دقائق وكأنها، مما لقيت بهن بضع سنين، يا ليت شعري ما دهان؟ وما جرى؟، لا زلت حيا، أم لقيت منوني.
المولد والنشأة
مع فجر الثالث عشر من يناير من العام 1983م، كان حي الصبرة في مدينة غزة على موعد مع بزوغ شعاع فارس مجاهد مقدام، سيكون له فيما بعد شأن عظيم في مقارعة أعداء الله الصهاينة، والدفاع عن أبناء شعبه من بطشهم ومكرهم، ففي ذلك اليوم جاء إلى هذه الدنيا أحمد حمدي يوسف الدريملي.
استقر المقام بأحمد في منزل عائلته في حي الصبرة، حيث كانت عائلته تملك منزلا متواضعا جدا، ولكن أحمد وبعد أن بات يدرك الأمور في هذه الدنيا كان لا يهمه المظاهر، فقد كان بيته متواضعا.
وتمضى السنوات، ويشتد عود شهيدنا أحمد، وتتفتح عيونه على الدراسة لأهميتها، فيتلقى دراسته الابتدائية والإعدادية في مدرسة الإمام الشافعي، وتوقف عند هذه المرحلة ليعين والده في تحمل أعباء ومصروفات البيت، خاصة وأنهم كانوا يعيشون في أوضاع اقتصادية صعبة.
وينشأ شهيدنا "أبو حمدي" وهو الثاني بين إخوانه، في كنف عائلة متدينة ومحافظة ومجاهدة، وإن كان كباقي أبناء جيله يحب التفاخر بالأوضاع الجيدة، غير أنه لم يعنيه ذلك كثيرا على الرغم من وضع عائلته الاقتصادي الصعب الذي كانت تعيشيه.
تميز شهيدنا "أحمد" بالطاعة والأخلاق الحميدة، خاصة مع والديه، لم يكتف بذلك، بل إنه حمل على كاهله العبء في العيش، حيث عمل في ورشة للسمكرة في بداية حياته، ولكنه مع هذا كان يتحمل المسئولية في توفير لقمة العيش من خلال عمله، كما كان يشارك والده في كافة أعماله وذلك في سبيل تحسين المستوى المعيشي لعائلته، وعمل لأجل ذلك في أعمال البناء، وعندما بنت عائلته بيتا جديدا فرح بشكل كبير جدا، ولكنه لم يسكن فيه وآثر على البقاء في البيت القديم لعائلته على الرغم من أنه غير صالح للسكن.
مساعدته لم تقتصر لوالده فقط، بل إن شهيدنا "أحمد" كان يحب دخول مطبخ بيته ومساعدة أهل بيته في تحضير الطعام، ولا يجد حرجا في ذلك كما الآخرين.
من أبرز ما ميزه أنه كان هادئا في طبعه، غير أنه لا يحب الظلم والغش في أي عمل، من الأعمال هذا إضافة إلى أنه كان يكره الظلم ويسامح من ظلمه.
ملتزم الأخلاق
كان شهيدنا ومنذ صغره محبوبا وخدوما لأصدقائه، ويشهد له أصدقاؤه بذلك، كما كان كريما يحب أن يمنح الآخرين بلا حدود ويخدم أهل حيه وجيرانه في مختلف شئون حياتهم، فهي أخلاق حميدة، وطباع وصفات لم يكن لأحمد أن يكتسبها إلا من أخلاق الإسلام العظيم التي كان يتحلى بها من خلال التزامه في مسجد السلام في حي الصبرة، فقد كان لالتزامه طابع خاص، لم يكن التزامه فقط لأداء الصلوت، بل إنه كان مواظبا على حضور الندوات والمحاضرات التربوية والدينية في المسجد، ومن إن يخرج إلى خارج أسوار المسجد فإنك تجده يعمل بكل ما أوتي من قوة على أن يطبقها على مختلف شئون حياته اليومية.
ومن خلال التزامه في مسجد السلام، كان شهيدنا "أبو حمدي" يحب حفظ القرآن الكريم وتلاوته، إلى جانب قيامه بحفظ الأحاديث النبوية والسيرة النبوية الشريفة، فقد أدرك أن حل القضية الفلسطينية مع العدو الصهيوني الغاصب لا تكون إلا عبر هذا النهج.
تأثر بالشهداء
تأثر شهيدنا كثيرا باستشهاد الشيخ المجاهد أحمد ياسين والشهداء محمد الدرة وفارس عودة، وكذلك الشهداء: عصام الدريملي وسائد فروانة والدكتور المجاهد عبد العزيز الرنتيسي والشيخ القائد صلاح شحادة والدكتور إبراهيم المقادمة، وكثيرا من الشهداء الذين كان لهم أثرا كبيرا في حياته، فقد كان لكلماتهم في حياته معنى خاص، وكانوا بمثابة المصباح الذي يهتدي على شعاعه في الليلة شديدة الظلام.
ابن حماس والقسام
أدرك شهيدنا جيدا أن الحل الوحيد في التعامل مع العدو الصهيوني والرد على جرائمه يتمثل في مقاومته بمختلف الوسائل وشتى الطرق، ومن خلال التزامه في مسجد السلام بحي الصبرة انضم شهيدنا أحمد إلى صفوف حركة المقاومة الإسلامية" حماس"، وكان ذلك في العام 1996م تقريبا، وعقب ذلك بوقت قليل كان القرار منه بضرورة العمل في صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام، لرد ووقف جرائم العدو الصهيوني بحق أبناء شعبه، وتلقى في سبيل ذلك العديد من الدورات والتدريبات العسكرية، التي أهلته لأن يكون الجندي الصنديد الذي يقوى على مقارعة قوات الاحتلال الزائل بإذن الله.
ومن شدة سريته وكتمانه، فمهماته الجهادية لم تعرف عائلته شيئا عنها، لأنه كان يدرك ضرورة أن تبقى مثل هذه الأمور بينه وبين ربه فقط.
كان "أبو حمدي" دائم التصريح لمن حوله عن أمنيته بالشهادة في سبيل الله مقبلا غير مدبر، بل إنه كان يلح على طلبها في كل وقت وكل حين، فقد كان صادقا في طلبها، فصدقه الله في نيلها.
على موعد للقاء الله
أدى صلاة العصر جماعة في مسجد الشهداء المجاور لمجمع السرايا الأمني في يوم السبت السابع والعشرين من ديسمبر من العام 2008م وهو أول أيام "حرب الفرقان"، خرج من المسجد، وعند مفترق طرق السرايا تم استهدافه من قبل طائرات الاستطلاع الصهيونية، ووصل مستشفى الشفاء وقد لفظ أنفاسه الأخيرة، وذلك بصحبة ثلاثة آخرين من رفاق دربه ومسيرته.
الجماهير الفلسطينية والأصدقاء وعلى عجل وفي عرس مهيب حملوا الشهيد أحمد على أكتافهم، وعلى عجل واروا جثمانه الثرى نتيجة كثرة القصف في تلك الفترة من قبل طائرات العدو الصهيوني، حيث تم تشييعه بعد صلاة المغرب مباشرة.